د. علي أحمد الزعبي يكتب : الرؤية الملكية حاضنة للاستثمار... العقبة أنموذجا
د. علي أحمد الزعبي
عميد كلية الحقوق – جامعة العقبة للتكنولوجيا
يُعد الاستثمار أحد المحركات الرئيسة للنمو الاقتصادي، لما يوفره من رؤوس أموال تُسهم في دعم الإنتاج وخلق فرص العمل وتعزيز الإيرادات. وتتخذ هذه الاستثمارات شكلين رئيسين: استثمار مباشر يتمثل في إقامة المشاريع الاقتصادية، وآخر غير مباشر يتمثل في تملك الأوراق المالية دون تدخل في الإدارة أو الرقابة. وتزداد فاعلية الاستثمار عندما يقترن برأس مال بشري مؤهل، ويسهم في نقل التكنولوجيا وتطوير المهارات.
وقد أدرك الأردن مبكرًا أهمية الاستثمار كرافعة للتنمية، فسعى بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى تهيئة بيئة استثمارية جاذبة، عبر تطوير البنية التحتية، وتحديث التشريعات، وتأسيس مناطق تنموية وخاصة، وبناء شراكات استراتيجية مع دول عدة. وقد أثمرت هذه الجهود عن ارتفاع كبير في تدفقات الاستثمار الأجنبي التي تجاوزت 2.5 مليار دولار في عام 2024، فيما بلغ إجمالي الاستثمارات 1.16 مليار دينار، تزامنًا مع نمو الناتج المحلي بنسبة 2.7% خلال الربع الأول من عام 2025.
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، إلا أن الواقع يكشف عن تحديات ما تزال تعيق تحقيق الأثر الاقتصادي المرجو من تلك الاستثمارات. ومن أبرز هذه المعوّقات: ضيق حجم السوق المحلي، محدودية الموارد، تعقيد الإجراءات الإدارية، وغياب الاستقرار التشريعي. كما تؤثر التوترات الإقليمية في ثقة المستثمرين واستقرار تدفقاتهم نحو الأردن.
ومن هنا تبرز مدينة العقبة كنموذج وطني رائد لترجمة الرؤية الملكية إلى واقع استثماري حي. فبفضل ما حظيت به من دعم مباشر من جلالة الملك، باتت العقبة منطقة اقتصادية وسياحية جاذبة، تمثل واجهة الأردن البحرية، ونافذته إلى التجارة العالمية. وقد أضحت العقبة مركزًا حيويًا للاستثمارات، خصوصًا مع التطوير المتسارع في البنية التحتية، وتسهيل الإجراءات، واستقطاب المؤسسات الأكاديمية والاستثمارية الكبرى.
وتُجسد جامعة العقبة للتكنولوجيا، من خلال استثمارها في التعليم العالي، مثالًا واضحًا على استجابة القطاع الأكاديمي للرؤية الملكية. فقد حرصت الجامعة، عبر كليّة الحقوق، على تطوير برامج دراسات عليا تواكب احتياجات الاستثمار، وتسهم في بناء ثقافة قانونية محفّزة، وتقلص الفجوة المعرفية في البيئة المحيطة.
إن نجاح تجربة العقبة يؤكد أهمية الإرادة السياسية في دعم الاستثمار، وضرورة استمرار العمل لتذليل المعوّقات، من خلال تبسيط الإجراءات، وتحديث التشريعات، وتأهيل الكوادر الحكومية، وتوفير بنية تحتية متطورة. فكلما كانت البيئة أكثر جاهزية، ازدادت فرص جذب المستثمرين وتعزيز التنمية.
ختامًا، فإن العقبة ليست مجرد مدينة ساحلية، بل تمثل أنموذجًا وطنيًا للاستثمار الواعي والمخطط، تعكس الرؤية الملكية في جعل الأردن مركزًا إقليميًا جاذبًا للأعمال وريادة الأعمال. ولعل تعزيز هذه التجربة وتعميمها على باقي محافظات المملكة، يشكل خطوة حاسمة نحو مستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا ونموًا.