د محمد كامل القرعان يكتب: غزة لا تطلب الشفقة.. بل العدالة

تقف غزة اليوم شاهدة على أكبر جريمة موثقة ترتكب بحقّ شعب أعزل في وضح النهار
وفي عالم يزعمُ احترامه لكرامة الإنسان وحقوقه، وعلى مرأى ومسمع من العالم بأسره، بينما يقف القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي عاجزين، بل وربما متواطئين بالصمت.
منذ أشهر، تتعرض غزة لحرب إبادة شاملة، حيث دُمرت البنية التحتية، واستُهدفت المستشفيات والمدارس والمساجد، وقتل عشرات الآلاف من المدنيين، غالبيتهم من الأطفال والنساء. لم يعد الحديث عن «عمليات عسكرية» أو «حق الدفاع عن النفس»، بل عن تصفية جماعية منهجية لشعب بأكمله، ومحو لوجوده المادي والحضاري والإنساني.
تتحدث اتفاقيات جنيف، وميثاق الأمم المتحدة، والشرعة الدولية لحقوق الإنسان، عن مبادئ الحماية للمدنيين وقت النزاعات، وعن تجريم استهداف المستشفيات والمخابز ومراكز الإيواء، وعن حماية الصحفيين وطواقم الإغاثة، وعن ضرورة احترام الكرامة الإنسانية حتى في الحرب. لكن كل تلك المواثيق، التي وقعتها دول العالم، تحولت إلى حبر على ورق حين تعلق الأمر بغزة.
أي قانون هذا الذي لا يُطبّق إلا على الضعفاء؟ وأي عدالة تلك التي تُدار بازدواجية فاضحة تسمح بمحاسبة الشعوب على كلمات، بينما تغض الطرف عن جرائم موثقة بالصوت والصورة؟! إن الصمت الدولي، بل وبعض مواقف الدول الكبرى، لم يعد موقفًا سياسيًا فقط، بل غطاءً لجرائم لا تسقط بالتقادم، وستظل وصمة عار في جبين الإنسانية.
لقد فقد القانون الدولي مصداقيته أمام الشعب الفلسطيني، ولم يعد يُرى إلا كأداة انتقائية تخدم الأقوياء وتُسكت المظلومين. وإن كان من بقايا أمل في ضميرٍ عالميّ حيّ، فإن غزة اليوم تحتاجه أكثر من أي وقت مضى.
غزة لا تطلب الشفقة، بل العدالة. لا تريد مؤتمرات تضامن وخطابات مطوّلة، بل تطبيق القانون كما هو، وببساطة: وقف الإبادة، محاسبة المجرمين،
فهل تبقى غزة وحدها في وجه العالم؟
وهل يُكتب التاريخ من جديد، لا بقلم المنتصر، بل بدم الأبرياء؟
* كاتب صحفي وأكاديمي
ــ الراي