الأخبار

العشي يكتب: رسالة إلى من أساءوا للنشامى… اللقطة لا تختصر الأخلاق

العشي يكتب: رسالة إلى من أساءوا للنشامى… اللقطة لا تختصر الأخلاق
أخبارنا :  

بقلم الإعلامي الدكتور محمد العشي

في أخلاقيات اللحظة… لماذا لا يُدان النشامى؟

في كرة القدم، كما في الحياة، لا تُقاس المواقف دائمًا باللقطة، ولا تُختزل المشاعر في ثانية عابرة التقطتها كاميرا. ما جرى عقب نهاية نهائي كأس العرب، من حديث عن ممر الشرف الذي تقدّم به مدرب المنتخب المغربي طارق السكتيوي تقديرًا لمشوار المنتخب الأردني، يجب أن يُقرأ بهدوء، وبمنظار أوسع من ردّة فعل آنية أو مصافحة لم تكتمل.

لا خلاف على أن مبادرة ممر الشرف تعكس روحًا رياضية راقية، وتحمل في مضمونها احترامًا لمسيرة "النشامى” وما قدموه في البطولة. وهذا بحد ذاته يُحسب للمنتخب المغربي وجهازه الفني، ويؤكد أن كرة القدم العربية قادرة على تقديم نماذج إيجابية داخل المستطيل الأخضر وخارجه. لكن في المقابل، فإن ما تم تداوله حول عدم مصافحة بعض لاعبي المنتخب الأردني للمدرب المغربي لا يجوز أن يتحول إلى إدانة أخلاقية أو تشكيك في قيم فريق بأكمله.

يجب أن نتذكر أن اللاعب، فور صافرة النهاية، يكون في ذروة الانفعال الإنساني والذهني. إنها لحظة تختلط فيها المشاعر؛ تعب بدني هائل، توتر نفسي، خيبة أمل، وأحلام كبيرة توقفت عند الخط الأخير. في مثل هذه اللحظات، لا يمكن مطالبة الجميع بردود فعل مثالية أو متشابهة، ولا يمكن اختزال أخلاق لاعب أو تاريخه في لقطة واحدة.

المنتخب الأردني لم يكن يومًا فريقًا مثيرًا للجدل الأخلاقي، بل على العكس، عُرف "النشامى” عبر سنوات طويلة بالانضباط، والاحترام، والروح الرياضية العالية، سواء في الفوز أو في أصعب اللحظات. هذه السمعة لم تُبنَ في مباراة واحدة، ولن تُهدم بمشهد عابر أُخرج من سياقه الطبيعي.

كما أن احترام المنافس لا يُقاس فقط بالمصافحة، بل بالسلوك العام داخل المباراة، والالتزام بالقوانين، وعدم اللجوء إلى الاستفزاز أو العنف، وهي أمور التزم بها المنتخب الأردني طوال مشواره في البطولة. بل إن وصول النشامى إلى النهائي بجدارة كان ثمرة عمل جماعي، وانضباط فني، وروح قتالية حازت احترام المتابعين في الأردن والعالم العربي.

من المهم أيضًا التمييز بين التفسير والتحريض. نقل الحدث حق مشروع للإعلام، أما تضخيمه أو تحميله نوايا غير مثبتة، فهو ظلم للاعبين وللفريق، ويضعهم في موضع لا يليق بما قدموه للوطن. الدفاع عن المنتخب لا يعني مهاجمة الطرف الآخر، بل يعني قراءة المشهد بعدالة، واحترام إنسانية اللاعب قبل الحكم عليه.

وفي الوقت الذي نثمّن فيه مبادرة المدرب طارق السكتيوي، ونقدّر موقفه الرياضي، فإننا في الوقت ذاته ندعو إلى تفهّم الحالة النفسية للاعبين الأردنيين، وعدم جرّهم إلى سجالات لا تخدم الرياضة ولا تعكس حقيقة ما هم عليه من التزام وأخلاق.

كرة القدم ليست فقط أهدافًا وكؤوسًا، بل مشاعر بشرية حقيقية. والنشامى، رغم كل شيء، خرجوا من البطولة مرفوعي الرأس، حاملين محبة جمهورهم واحترام خصومهم، وهذا هو الإنجاز الأهم.

وفي هذا السياق، لا بد من توجيه تحية تقدير وتهنئة للمدرب طارق السكتيوي، وللمنتخب المغربي الشقيق، على ما قدموه من أداء فني مميز وروح تنافسية عالية تُوّجت باللقب عن جدارة، بعد مشوار يعكس العمل والانضباط واحترام المنافس. كما تبقى الجماهير المغربية، بتاريخها الكروي وحبها الصادق للعبة، جزءًا أصيلًا من جمال هذه المنافسات العربية. كرة القدم تجمعنا أكثر مما تفرّقنا، وما حدث في النهائي يجب أن يُقرأ كصفحة تنافس رياضي مشرّف، لا كسبب للجدل أو الانقسام. الاحترام متبادل، والمستقبل يتّسع للجميع.

المنتخب الأردني لا يحتاج إلى تبرير أخلاقه، فمسيرته تشهد له، وتاريخه يتحدث عنه. وما بعد النهائي ليس نهاية قصة، بل فصل جديد يُكتب بثقة أكبر، ونضج أعلى، ودروس تُبنى عليها الإنجازات القادمة.

مواضيع قد تهمك