الأخبار

فراس النعسان : القنصلية الأردنية في دبي

فراس النعسان : القنصلية الأردنية في دبي
أخبارنا :  

ليست التجربة مع أي سفارة أو قنصلية مجرد معاملة ورقية تُنجز أو ختم يُوضع على جواز سفر. هي، في جوهرها، اختبار عميق لشعور الانتماء، ولمدى إحساس المواطن بأن دولته حاضرة معه، تراه، وتقدّره، وتحترم وقته وكرامته. من هذا المنطلق، جاءت تجربتي مع القنصلية الأردنية في دبي تجربة لافتة، تستحق التوقف عندها، لا من باب المجاملة، بل من باب التقدير والتفكير بما يجب أن يكون عليه العمل القنصلي في زمن يتغيّر بسرعة.
على مدار نحو ثلاثة أشهر، لمست جهداً واضحاً ومكثفاً بذله القنصل والعاملون في القنصلية، سواء على مستوى التنظيم، أو الاستقبال، أو تسريع إنجاز المعاملات القنصلية، سواء لأبناء الجالية الأردنية المقيمة في دولة الإمارات، أو لمن يرغبون في زيارة المملكة الأردنية الهاشمية. كان هناك شعور عام بأن المؤسسة تعمل بعقل الفريق، وأن الهدف ليس «تمرير المعاملة»، بل تقديم خدمة حقيقية تليق باسم الأردن وصورة دولته.
ما يلفت الانتباه في هذه التجربة ليس فقط سرعة الإنجاز، بل التحوّل في طريقة التعامل. فالمراجع لا يُعامل كرقم، ولا كعبء، بل كضيف في مؤسسة تمثّل وطنه. هذا الفرق، وإن بدا بسيطاً، إلا أنه جوهري. المواطن حين يدخل قنصلية بلاده وهو مطمئن، يشعر تلقائياً بقيمته، وبأن دولته لا تنساه حين يغادر حدودها الجغرافية.
أهمية هذا الشعور لا يمكن التقليل منها. فالأردني في الخارج ليس مجرد مغترب؛ هو سفير غير معلن لبلده، يحمل صورته في سلوكه، وحديثه، وعلاقاته. حين تكون تجربته مع سفارة أو قنصلية بلاده إيجابية، فإن ذلك ينعكس مباشرة على خطابه، وعلى ثقته بدولته، وعلى رغبته في ربط أبنائه وجيله الجديد بالأردن.
لكن هذه التجربة الإيجابية تفتح الباب أيضاً أمام سؤال أكبر: ما الذي يجب أن تقوم به السفارات والقنصليات الأردنية اليوم لتطوير أدائها بشكل مستدام؟ الجواب لم يعد يقتصر على «حسن النية» أو «الاجتهاد الفردي»، بل يتطلب رؤية مؤسسية تلاحق التطور العالمي في العمل القنصلي.
العالم يتجه بسرعة نحو الرقمنة والذكاء الاصطناعي، والعمل القنصلي ليس استثناءً. من حجز المواعيد الذكية، إلى أنظمة إدارة الدور، إلى تتبع المعاملات إلكترونياً، وصولاً إلى الردود الآلية المدعومة بالذكاء الاصطناعي على الاستفسارات المتكررة، كلها أدوات لم تعد ترفاً، بل ضرورة. هذه الأدوات لا تُلغِي الدور الإنساني، بل تحميه، وتمنحه الوقت للتركيز على الحالات الخاصة والمعقّدة التي تحتاج فعلاً إلى تدخل بشري.
كما أن تدريب الكوادر القنصلية على مهارات التواصل، وإدارة الضغط، وفهم احتياجات الجاليات، بات عنصراً أساسياً في جودة الأداء. فالمراجع اليوم أكثر وعياً، وأكثر مقارنة، ويقيس تجربته بما يراه في دول أخرى. الحفاظ على صورة الأردن يتطلب مواكبة هذا الوعي، لا الاكتفاء بالحد الأدنى من الأداء.
التجربة مع القنصلية الأردنية في دبي تعطي نموذجاً مشجعاً لما يمكن أن يكون عليه العمل القنصلي حين تتوفر الإرادة، والتنظيم، والاحترام المتبادل. وهي في الوقت ذاته دعوة لتعميم هذا النموذج، وتطويره، والبناء عليه، ليصبح نهجاً ثابتاً لا استثناءً مرتبطاً بأشخاص.
في النهاية، حين يشعر الأردني بقيمته في سفارة أو قنصلية بلاده، فهو لا يشعر بالرضا فقط، بل بالانتماء المتجدد. وهذا الانتماء، في زمن الاغتراب والحدود المفتوحة، هو أحد أهم أشكال القوة الناعمة التي تمتلكها الدول، والأردن ليس استثناءً.

مواضيع قد تهمك