د. حمزة الشيخ حسين : أين الرقابة يا مؤسسة الغذاء والدواء؟!
بقلم: د. حمزة الشيخ حسين
في حادثة تُنذر بخطر كبير على صحة المواطنين، تم مؤخرًا إغلاق مصنع مشروبات روحية في الأردن، ثبت أنه غير صالح للاستخدام البشري. ورغم أن المصنع يحمل ترخيصًا رسميًا، إلا أن حالته الفنية والصحية لا تليق بمرفق يفترض أن يكون تحت إشراف صارم من قبل مؤسسة الغذاء والدواء، الأمر الذي يدفعنا إلى طرح تساؤلات حقيقية تتجاوز مجرد "إغلاق مصنع” إلى أزمة رقابة ومساءلة.
فكيف لمصنع بهذا الوضع المتردي أن يستمر في العمل؟ وأين كانت فرق التفتيش والرقابة التابعة لمؤسسة الغذاء والدواء؟ وإذا كان هذا حال منشأة صناعية تعمل في مجال المشروبات الروحية، فما الذي قد نجده خلف أبواب بعض مصانع الأغذية والمنتجات اليومية التي تصل إلى موائد الأردنيين في كل بيت؟
هذه الحادثة الخطيرة تعكس خللاً واضحًا في منظومة الرقابة، وهو خلل لا يمكن التغطية عليه بإغلاق متأخر، ولا تُعالج تبعاته بتصريحات إعلامية أو ظهور أمام الكاميرات. إنما يتطلب تحمّلًا مباشرًا للمسؤولية، ومحاسبة حقيقية تبدأ من أعلى الهرم الرقابي.
وفي هذا السياق، فإن من الواجب الأدبي والمهني أن يقدّم عطوفة الدكتور نزار مهيدات، مدير عام المؤسسة العامة للغذاء والدواء، استقالته، لا كاعتراف بالذنب الشخصي، بل كرسالة أخلاقية بأن الكرسي ليس أغلى من سلامة الناس، وبأن المسؤولية في مواقع الرقابة يجب أن تكون مفعّلة لا شكلية.
إن تقديم الاستقالة في مثل هذه الحالات لا يُعد هروبًا من المساءلة، بل موقفًا رجوليًا ومسؤولًا، يعيد الاعتبار للثقة العامة في المؤسسات، ويمنح الجهات المعنية فرصة لمراجعة الأداء وتصحيح المسار.
من حق المواطن الأردني أن يثق بأن غذاءه ودواءه ومشربه تحت رقابة صارمة لا تعرف المجاملة، ولا تتهاون في حقه بالسلامة. ومن واجب المؤسسات الرقابية أن تكون على قدر هذه الثقة، وأن تتخذ الإجراءات الوقائية قبل أن تتحول الكوارث إلى أخبار عاجلة.
إن ما حدث ليس مجرد خلل فني في مصنع… بل جرس إنذار ينبهنا إلى ما هو أعمق:
غياب الرقابة المسبقة، وضعف المتابعة، والتركيز على الإعلام لا على الميدان.
وهنا، لا بد من وقفة حقيقية، ومحاسبة شفافة، تبدأ من الأعلى وتنتهي بأضعف موظف، لنؤسس لمرحلة جديدة من الثقة والمهنية في أهم قطاع يتعلق بحياة الناس