الأخبار

د. يزن دخل الله حدادين : الأردن والفاتيكان آفاق سياسية واقتصادية ودبلوماسية

د. يزن دخل الله حدادين : الأردن والفاتيكان آفاق سياسية واقتصادية ودبلوماسية
أخبارنا :  

مع مرحلة انتخاب بابا جديد للفاتيكان، تعود الأنظار مجددًا إلى العلاقة الفريدة التي تجمع المملكة الأردنية الهاشمية بالكرسي الرسولي. وهي علاقة تتجاوز الطابع البروتوكولي أو الرمزي، لتغدو أحد محاور السياسة الخارجية الأردنية، خاصة في ظل التحديات الإقليمية المتزايدة واشتداد الحاجة إلى خطاب ديني متوازن وعلاقات دولية متعددة الأبعاد.

من المعروف أن الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، يحظى بمكانة خاصة في الفاتيكان، نظراً لدوره التاريخي في رعاية المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس، وكونه حاضنًا لنموذج فريد من العيش المشترك. ومع انتخاب بابا جديد، تفتح نافذة جديدة أمام الأردن لإعادة تأكيد هذا الدور وتعزيزه، خصوصًا إذا حمل البابا الجديد رؤية منفتحة على الحوار بين الأديان وتعزيز السلام في الشرق الأوسط.

قد يسعى الأردن إلى تطوير شراكات استراتيجية مع الفاتيكان في مجالات متعددة، ليس فقط دينية، بل تمتد إلى الجانب السياسي كوسيط محايد في النزاعات، والجانب الإنساني عبر جهود اللاجئين، بل وحتى الجانب الاقتصادي من خلال تشجيع السياحة الدينية والاستثمار في البنية التحتية الثقافية المرتبطة بالحج المسيحي.

زيارات جلالة الملك عبدالله الثاني إلى الفاتيكان تخضع عادةً لتغطية دقيقة من الديوان الملكي، ووزارة الخارجية، وأجهزة الإعلام الرسمية، بالإضافة إلى المتابعة الحثيثة من وسائل الإعلام الفاتيكانية والدولية المعنية بالحوار بين الأديان. كما تتابع المؤسسات البحثية والدبلوماسية هذه اللقاءات باعتبارها مؤشرًا على توازن القوى الناعمة في الشرق الأوسط، وتُحلَّل مضامينها في سياق سياسات المنطقة والعلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي.

وغالباً ما تُستثمر هذه اللقاءات في تعزيز دور الأردن كجسر بين الشرق والغرب، وتأكيد حضوره كفاعل إقليمي يمتلك أدوات الاعتدال الديني والتواصل الإنساني، في مقابل ما تشهده المنطقة من خطاب متطرف أو سياسات انغلاقية.

الفاتيكان ليس فقط مركزًا دينيًا، بل هو مرجعية روحية لأكثر من مليار مسيحي كاثوليكي حول العالم. والأردن، برعايته للمقدسات في القدس واحتضانه لمواقع دينية تاريخية كالمغطس، يتمتع بموقع استراتيجي في الجغرافيا المسيحية. توثيق العلاقة مع الفاتيكان يُسهم في دعم مواقف الأردن من ملف القدس، وفي تعزيز صورة المملكة كدولة تحتضن التعددية الدينية وتحمي الحريات العقائدية.

الفاتيكان، رغم صغر حجمه الجغرافي، يتمتع بثقل دبلوماسي كبير، وله سفارات في معظم دول العالم، ويمارس تأثيرًا ملموسًا في قضايا دولية متعددة. علاوة على ذلك، فإن تقاطعه القيمي مع الأردن في الدعوة للسلام والحوار يجعل توثيق العلاقة معه أداة سياسية يمكن توظيفها لدعم مبادرات أردنية على الصعيدين الإقليمي والدولي.

التعاون مع الفاتيكان في الترويج للأردن كمقصد للحج المسيحي يمكن أن يشكل رافعة اقتصادية قوية. السياحة الدينية لا تقتصر على الأبعاد الإيمانية فقط، بل تشكل مصدرًا هامًا للعوائد الاقتصادية، وتخلق فرص عمل محلية، وتزيد من الانفتاح الثقافي.

الفاتيكان شريك أساسي في محاربة خطاب الكراهية وتعزيز القيم المشتركة بين الأديان. وتعزيز التعاون مع الفاتيكان يسهم في إعادة التوازن للصورة العالمية عن الإسلام، ويكرس دور الأردن كرافع حضاري وإنساني.

انتخاب بابا جديد للفاتيكان لا ينبغي أن يُنظر إليه كحدث ديني محض، بل كفرصة استراتيجية أمام الدول ذات الثقل الديني والسياسي، وعلى رأسها الأردن. ومع توفر رصيد من الثقة التاريخية، وحضور فاعل لجلالة الملك عبدالله الثاني على الساحة الدولية، فإن المملكة مؤهلة لتوسيع شراكاتها مع الفاتيكان، ليس فقط لتحقيق مصالح آنية، بل لبناء جسور طويلة الأمد من السلام والتفاهم والتعاون العالمي.

إن المتغيرات العالمية تفرض على الدول الصغيرة ذات الرؤية الكبيرة أن تتقن إدارة «القوة الناعمة»، وليس من شك أن العلاقة مع الفاتيكان تمثل أحد أوجه هذه القوة التي ينبغي للأردن أن يواصل الاستثمار فيها بحكمة وبُعد نظر.

محامٍ وخبير قانوني

yazan.haddadin@haddadinlaw.com

مواضيع قد تهمك