الأخبار

د . احمد بطاح : تفكيك السياسة الأميركية إزاء القضية الفلسطينية!

د . احمد بطاح : تفكيك السياسة الأميركية إزاء القضية الفلسطينية!
أخبارنا :  

إنّ المتابع العادي لمجريات السياسة الأمريكية إزاء القضية الفلسطينية يَحار أحياناً في فهم هذه السياسة بل قد يظنها متناقضة، ففي حين يسمع الرئيس «بايدن» يقول عن سياسة «نتنياهو» في الحرب على غزة بأنها «خاطئة» تشارك الولايات المتحدة فعلياً في رد الهجوم الإيراني على إسرائيل!، وفي حين يهاتف «بايدن» «نتنياهو» طالباً منه تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني في غزة تحت طائلة إعادة النظر في سياسة الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل تقدّم إدارته مشروع قانون إلى الكونغرس متضمناً مساعدة لإسرائيل بما يزيد عن (26) مليار دولار!، وفي حين يعلن وزير الخارجية الأميركي «بلينكن» بأن الولايات المتحدة مع «حل الدولتين» وقيام دولة فلسطينية تستخدم الولايات المتحدة حق «الفيتو» في مجلس الأمن ضد الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية (مع حصول القرار على 12 صوتاً منها أصوات حلفائها: فرنسا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وامتناع حليفتها الأقرب بريطانيا عن التصويت)!

هل هناك ما هو غير مفهوم في هذه السياسات؟ هل هناك تناقض بالفعل فيما بينها؟ الإجابة هي: أبداً، كل شيء واضح وليس هناك تناقض والمسألة ببساطة هي أن الولايات المتحدة تعتبر إسرائيل حليفاً استراتيجياً لها تدافع عنه وترعاه مع أنها قد تعارض بعض سياساته، وبعبارة أخرى فإنّ الولايات المتحدة هي مع إسرائيل الدولة ولكنها قد تكون أحياناً ضدّ بعض سياسات الحكومة الإسرائيلية كما هو حاصل الآن بشأن موضوع إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة مثلاً.

إنّ العلاقة الاستراتيجية الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل هي قائمة منذ قيام إسرائيل في عام (1948) فقد كانت الولايات المتحدة (في عهد الرئيس ترومان) أول دولة في العالم تعترف بإسرائيل، وقد قدمت لها منذ نشأتها وحتى مطلع 2023 ما يزيد عن (158) مليار دولار كمساعدات، والواقع أن المساعدات الأمريكية بأشكالها المختلفة لإسرائيل تزيد عن (55%) من مجمل المساعدات الأميركية لكل دول العالم ولا ننسى أنّ كل رئيس أميركي يعتلي سُدّة الرئاسة يحاول التفوّق على سلفه في دعم إسرائيل، وقد لاحظنا كيف أن «بايدن» قدّم لإسرائيل فوق ما تحتاجه من مساعدة عسكرية وسياسية واقتصادية منذ السابع من أكتوبر، ولعلّه حاول التفوق على سلفه «ترامب» الذي نقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى «القدس»، كما حاول (وهو الخبير في الصفقات!) تمرير صفقة القرن سيئة الذكر!

ولعلّ أدق ما يحتاج إلى تفكيك فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية إزاء القضية الفلسطينية هو الموقف الأمريكي من إقامة الدولة الفلسطينية فهل تؤمن الولايات المتحدة «بحل الدولتين» فعلاً الأمر الذي يُفترض أن يتمخّض عن إقامة دولة فلسطينية أم لا؟ قناعتي هي أن الولايات المتحدة أصبحت تؤمن بقوة «بحل الدولتين» بعد السابع من أكتوبر حيث فهمت شأنها شأن معظم دول العالم أن القضية الفلسطينية المُزمنة والمُؤرّقة لكثير من الدول وبالذات في الشرق الأوسط لا حلّ لها إلا بإنصاف الشعب الفلسطيني ومساعدته على قيام دولته إلى جانب إسرائيل.

ولكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هنا هو: أيّ دولة؟ وكيف تنشأ؟ إن الولايات المتحدة وكما أوضحتْ أكثر من مرة تريد «دولة» تتفاهم مع إسرائيل وتضمن لها أمنها، وبالتالي فإنّ من المنطق أن يتم هذا الأمر بالتفاوض بين الطرف الفلسطيني والطرف الإسرائيلي (وليس بالفرض من قبل هيئة دولية كالأمم المتحدة). إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تضمن قيام دولة لا تشكل خطراً على أمن إسرائيل إلّا إذا تمّ الاتفاق على هذه الدولة بالتفاوض مع إسرائيل، وبعبارة أخرى فإنّ الولايات المتحدة تريد دولة بشروط إسرائيلية لا دولة مكتملة السيادة تُعبّر عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وعلى حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية حسب الشرعية الدولية.

هل هذا ممكن الآن، وفي ضوء المعطيات الإسرائيلية، والإقليمية، والدولية؟ إنه غير ممكن وبالذات بسبب المعطيات الإسرائيلية حيث تدل توجُّهات الرأي العام الإسرائيلي التي تعكسها الاستطلاعات عن رفض إقامة دولة فلسطينية لما قد تُشكِلهُ من خطر على إسرائيل، وحيث يحكم اليمين المتطرف (بشهادة بايدن الذي قال بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل!) إسرائيل الآن، وحيث ينقسم الفلسطينيون إلى من يرى الحل في السياسة (السلطة الوطنية الفلسطينية)، ومن يرى الحل في المقاومة (حماس وبقية فصائل المقاومة)، وحيث لا يُشكِّل العرب في المرحلة الحالية قوة وازنة يمكن أن تُحدث فرقاً في السياسات الدولية.

وبكلمة أخيرة فإنّ الولايات المتحدة تريد مضطرةً إقامة دولة فلسطينية ولكن بموافقة وبشروط إسرائيلية تتضح معالمها كمحصلة لمفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، الأمر الذي يصعب تصوره في الظروف الحالية! ــ الراي

مواضيع قد تهمك