الأخبار

د . محمد كامل القرعان يكتب : هل انتصرت غزة؟

د . محمد كامل القرعان يكتب : هل انتصرت غزة؟
أخبارنا :  

تنتهي نقاشات كثيرة في العاصمة الأميركية بشأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى أن إسرائيل ستنتصر في النهاية، ويتبارى الخبراء في تأكيد وتكرار حقيقة تفوق دولة الاحتلال الساحق على حركة المقاومة الإسلامية حماس ماديا وعسكريا، سواء من حيث أعداد القوات أو الإمكانيات التسليحية من طائرات وصواريخ ومدرعات ودبابات ومدافع وغيرها من الاسلحة المحرمة دولياً.

ولا يتخيل هؤلاء أي نتيجة أخرى إلا انتصاراً لدولة الاحتلال (إسرائيل)، ويبقى السؤال بالنسبة لهم بشأن الإطار الزمني للانتصار وتكلفته، وعلى النقيض، يشير عدد متزايد من المعلقين إلى إمكانية انتصار «المقاومة» أو هزيمة إسرائيل، بل يذهب البعض إلى تأكيد أن «المقاومة» قد انتصرت بالفعل، كما أن صفقة إيقاف الحرب بين «حماس» وإسرائيل لها تكاليف ولها فوائد، ويبدو أن الفلسطينين هم الذين سيحققون أكبر قدر من المكاسب؛ على الرغم أن إطلاق سراح الإسرائيليين أمر جدير بالثناء دولياً، إلا أن هناك تكاليف وهناك فوائد، وهنا يبدو أن «حماس» حققت انتصاراً كبيراً.

ويظل من غير الواضح ما إذا كانت ايقاف الحرب تشكل سابقة سلبية نهائية بالنسبة لإسرائيل، ولكنها تلقي بظلال من الشك على ما إذا كانت ستحقق هدفها المشروع المتمثل في القضاء على التهديد الذي تشكله حماس من وجة نظرهم.وبالنسبة لإسرائيل فانها تعتقد من وجه نظرها بان اي اتفاق بينها وبين حماس لايقاف الحرب هو معيب و"بشكل قاتل» في العديد من النواحي لا سيما صورتها امام العالم باعتبارها قوة عسكرية واقتصادية ضاربة في الشرق الأوسط والعالم، حتى لو تم تنفيذ اتفاق بين الطرفين وعلى نحو لا تشوبه شائبة.

وحالياً فأن إسرائيل تستخدم فترة المفاوضات للتحضير للمرحلة التالية من الحرب وهي اجتياح رفح، وتناوب القوات وإعادة إمدادها وما شابه، رغم مخاوف إسرائيلية وامريكية سقوط عدد كبير من الجنود الإسرائيليين بين قتيل وجريح وهو ما سيؤجج الشارع الإسرائيلي ضد حكومة (نتننياهو) المتطرفة، ولكنها في الوقت ذاته فأن إسرائيل تخشى من إعطاء فرصة لـلمقاومة لإعادة ترتيب تموضعها وجاهزيتها وتعزيز نفسها اذا ما تأخر اجتياح رفح؟

ولربما المشكلة العسكرية الحرجة التي ستواجهها إسرائيل هي الفرص التي ستضيعها إذا أوقفت هجومها في منتصف الطريق بحسب رؤيتها، في حين أن استراتيجية «حماس» تتلخص في اتخاذ أي وقفة مؤقتة ورهانها على تحرك الشارع الاسرائيلي والعالمي والضغط على ادارة الرئيس الامريكي جون بايدن لوقف دائم لإطلاق النار، وقد لا يحدث حالياً، لكن الضغط على إسرائيل لحملها على الاستسلام سوف يتزايد.

ويتمثل الخطر السياسي الحاسم الذي تواجهه إسرائيل هو تقويض تصميمها على القضاء على «حماس»، والأمر الأكثر خطورة هو قوة الدعم الأميركي، الذي بدأ يضعف بالفعل. لا سيما أن حركة «حماس» أصبحت في نظر الكثيرين أكثر من منظمة أو جماعة في صورتها المادية التقليدية، وأصبحت مفهوما أوسع لمعنى المقاومة، وعلينا أن نتذكر أن «حماس» قامت بعمل لم يتوقعه الكثيرين من المؤدين لإسرائيل في ساحة القتال، باعتبارها انتصرت بالفعل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ولا يمكن تغيير ذلك حتى لو قامت إسرائيل بالعمل على تدمير الحركة عسكرياً.

وبغض النظر عن الكيفية التي تتكشف بها حرب غزة وما جرى وما يجري الآن فقد خسرت إسرائيل بالفعل وانتصرت «المقاومة» لا سيما بعد مغادرة مئات آلاف من الإسرائيليين منازلهم في الشمال والجنوب، وانتقالهم إلى ملاجئ أو مراكز آمنة نسبياً في وسط البلاد، وإغلاق مدارس وجامعات كثيرة أبوابها، وتدهور الوضع الاقتصادي بصفة عامة، وشعور الإسرائيليين نوع آخر من الخسارة، وهو شعور بخسارة عميقة وطويلة الأمد، وهذه الخسارة مست نفسياتهم بالأساس وإحساسهم بالذات الجماعية والرفاهية، ويمكن سماع ذلك في أصواتهم وتدويناتهم واختيارهم للكلمات، ويمكن رؤيتها على وجوههم وخروجهم للشارع ضد حكومة نتنياهو المتطرفة، بعدما كان الإسرائيليون قبل السابع من اكتوبر يتمتعون بالثقة، واعتقدوا أن حرباً مفاجئة مثل حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 لا يمكن أن تحدث مرة أخرى، وأنه إذا حدث ذلك فإن جيشهم سيقضي عليها في مهدها، ثم جاء هجوم «حماس» بعد 50 عاماً تقريباً، وهو ما مثل لهم صدمة عميقة، وهو ما نجح في تحطيم النفسية الإسرائيلية ودفع تجديد الكفاح الفلسطيني من أجل إقامة دولة مستقلة إلى الواجهة العالمية.

إن الحرب الجارية قد تكشف أيضاً عن حدود القوة والحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى، والدول القوية تفوز أحياناً في ساحة المعركة وما زالت تخسر سياسياً، انتصرت الولايات المتحدة في جميع المعارك الكبيرة في فيتنام وأفغانستان، لكنها خسرت في النهاية كلتا الحربين، لكن المقاومة هو تذكير قوي بأن إسرائيل ليست محصنة ولا يمكن تجاهل الرغبة الفلسطينية في تقرير المصير. ـ اراي

مواضيع قد تهمك