الأخبار

بشار جرار : ضوء النفق من بيروت إلى رفح

بشار جرار : ضوء النفق من بيروت إلى رفح
أخبارنا :  

رغم الفوارق الكثيرة بين حال لبنان وغزة حينها والآن، إلا أن كلمات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات قبيل رحيله من بيروت في رحلة اللا عودة لفصائل المنظمة، تحمل قواسم مشتركة بين رحيل وشيك لحماس من آخر معاقلها تحت الأرض في رفح، وقد كانت منذ اتفاق غزة-أريحا أولا، خصمه كمؤسس فتح وكأول رئيس للسلطة الفلسطينية ودولة فلسطين.
الضوء الفلسطيني حتى الآن لم ير النور في سلسلة الأنفاق التي ما زال يمر بها منذ زهاء القرن لأسباب كثيرة معظمها داخلية. كل ما قيل عن استقلال القرار الفلسطيني اتضح أنه كان غير دقيق وما زال غير واقعي لجملة من الأسباب الداخلية التنظيمية والخارجية التمويلية.
الاستقطاب يعني انقساما بصرف النظر عن محاوره. وقد زاد الانقسام والشرخ بين الضفة والقطاع، إقحام الدين على السياسة وبالاتجاهين، مما أفسد الجانبين وحوّل القضية الوطنية من الفلك القومي والفضاء الأممي إلى علاقة محض سياسية تمويلية مرتبطة إما بالتبعية التامة أو التفاهمات المرحلية المصلحية مع مراكز قوى إقليمية لها سياسات تبدو غير متسقة فيما يخص حقيقة مواقفها من القضية الفلسطينية وإسرائيل والقوى الدولية الوازنة وعلى رأسها أمريكا. رغم ما بدا في تغليب الخطاب الديني على الوطني وحصره في الخطاب الإسلامي إلا أنه جاء على حساب استقلال القرار الفلسطيني الوطني والإسلامي معا، خاصة عندما يتعذر تقاطع دوائر صنع القرار في تركيا وإيران. اتضح هذا في النسخة الأولى من «الربيع العربي» اللعين الذي يصر البعض على إحيائه في نسخة ثانية أكثر توحشا، فما عادت كذبة «سلمية... سلميّة...» و «التنسيقيات» و»الجمعات» تنطلي على أحد.
ومن التراجيديا أو لعلها الكوميديا السوداء أن ترى من يرهنون القرار الكفيل بتفادي اقتحام رفح -بكل ما يعنيه من كوارث إنسانية وأمنية وسياسية إقليمية سيكون أكثر المتأثرين بها مصر- يرهنون ذلك القرار بثلاث وساطات آخرها المصرية سبقتها محادثات أجرتها قيادة حماس الخارج مع الإيرانيين والأتراك، وبشكل غير مباشر في الدوحة مع مسؤولين أمنيين من إسرائيل وأمريكا.
يعلمون جيدا -حماس الداخل والخارج- أن القرار الوحيد الكفيل بإرجاء الحرب لا إنهائها هو الإفراج عن جميع الرهائن سواء في صفقة تبادلية أم بمبادرة من طرف واحد تظهر حسن النية. المفترض أن يكون الأهم هو إنقاذ حياة أكثر من مليون غزيّ من المحاصرين أو العالقين في رفح الفلسطينية، ومعظمهم من النازحين داخل القطاع الذي حكمته حماس منذ سبعة عشر عاما بالقوة لا بانتخابات التذكرة الواحدة كما هو ديدن التنظيمات الإسلامية في الشرق الأوسط!
فماذا ينتظرون بعد الرد على رد الرد فيما شهدناه على الهواء مباشرة من مفاوضات إيرانية إسرائيلية؟! طهران أعلنتها دون مواربة وعلى لسان وزير خارجية نظام ملالي إيران بأنها لن ترد على ضربة أصفهان ما لم تتعرض إلى «هجوم كبير» من إسرائيل التي ما زالت تزعم العمل على إزالتها من الخارطة وهي تتقاسم الأدوار والنفوذ مع أي طرف له دور في الوضع الراهن والأهم ما عرف ب «اليوم التالي»، أي بعد إنجاز اقتحام رفح، والذي يعني تحقيق أحد أهداف السابع من أكتوبر الإسرائيلية أي القضاء على ما تبقى من حماس، وهو بحسب المصادر الإسرائيلية لا يتجاوز الكتيبتين.
خلافا لمشهد عرفات وهو «يتبختر» في تصريح للصحافة الغربية، في مرفأ بيروت قبل ترحيل قواته بحماية مصرية وأطلسية، لن يتم ترحيل قادة حماس أمام الكاميرات إلا في حال قبول ما وصفته إسرائيل مبادرة «الفرصة الأخيرة» في إشارة إلى المبادرة المصرية.
حتى ولو تم توزيع ما تبقى من حماس -سياسيين ومسلحين- على الدول التي استقبلت في ثمانينيات القرن الماضي من تم ترحيلهم من لبنان كاليمن والعراق وسورية والجزائر، فإن الحال سيختلف لذلك «الضوء» الذي تحدث عنه عرفات في «آخر النفق» من بيروت، حيث ستفضي أنفاق غزة إلى ما يشتت ذلك الضوء إن استمر الاحتراب الفلسطيني والاستقواء بما هو خارج البيت الفلسطيني، خاصة من خارج البيت العربي.
الأرضية باتت جاهزة إعلاميا لاعتراف بقيام دولة فلسطينية بين غرب نهر الأردن المقدس والبحرين الأحمر والأبيض المتوسط. اعتراف قد يكون جماعيا من قبل الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي أو الولايات المتحدة منفردة أو مع بريطانيا -لدلالات تاريخية تتعلق بوعد بلفور-، على أن تلي هذا الاعتراف، خطوات أطلسية وأوروبية مماثلة بالتنسيق قطعا، مع بكين وموسكو رغم الخلاف على أوكرانيا وتايوان.
اعتراف كهذا لن يمنح لأي من الفصائل الفلسطينية وبالذات حماس، الأمر الذي يعني أن الحركة مطالبة بمراجعة تحالفاتها وأولوياتها والعودة إلى «الرقم الصعب» في المعادلة التي تحدث عنها عرفات مرارا قبل وبعد مصافحته التاريخية -الحارة والمطوّلة- لرئيس وزراء إسرائيل الراحل إسحق رابين في البيت الأبيض برعاية سيده آنذاك الرئيس الأسبق (الديموقراطي) بيل كلينتون.
الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين حتى وإن كان دون صفقة تبادلية، يعني عمليا تحرير رفح، لا بل وغزة كلها من الاختطاف.. وإن تم -وهذا مستبعد للأسف- سيكون بمثابة الخطوة قبل الأخيرة للسلطة الوطنية الفلسطينية «المتجددة» التي تحدثت عنها نائبة الرئيس الأمريكي كمالا هاريس على هامش قمة المناخ في الإمارات الشقيقة. العودة إلى البيت الفلسطيني والعربي، باتت عنوان العودة الحقيقي لمن أراد حقا تشييد الدولة الموعودة وبناء السلام المنشود. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك