الأخبار

محمد داودية : مقطع من الذكريات الحميمة (8)

محمد داودية : مقطع من الذكريات الحميمة (8)
أخبارنا :  

1
تتبارى الأنظمة السياسية وتتنافس وتتبازى، تماما كما يتم بين الفرق الرياضية والقوى الاقتصادية والأحزاب والأشخاص.
يأخذ التنافس أحيانا شكل التسابق أو التراشق، وشكل التلاكم والتلاطم أحيانا أخرى.
شرعت في عرض أفكار التنمية السياسية في ندوات مكثفة في مختلف المحافظات من أجل استخلاص أبرز عناصر خطة التنمية السياسية.
كنت أقف عاجزاً أمام بعض الأسئلة التي لها صلة بدائرة المخابرات العامة.
اتصلت مع سعد باشا خير مدير المخابرات العامة وطلبت أن ترسل الدائرة أحد كوادرها للمشاركة محاضراً في بعض اللقاءات والندوات.
جاءنا المثقف الموسوعي صالح باشا الزيودي الذي شارك بحماسة وفاعلية وحيوية، فأجاب عن أسئلة الحضور بثقة واعتداد، وذلك في الندوة الأولى التي عقدتها في مدينة الحسين للشباب بمشاركة دولة عبد الرؤوف الروابدة وجميل النمري وفيصل الشبول.
بعد أيام زارني صالح باشا في الوزارة ينقل لي اندهاش أجهزة مخابرات دول عديدة من هذا الانفتاح النادر. اتصلوا طالبين تقييم التجربة وتزويدهم بالملاحظات الإيجابية والسلبية على المشاركة العلنية لرجال المخابرات.
المهم أن الانفتاح الذي ُسجِّل لنا خرقاً وامتيازاً عما هو سائد وكان مدعاة غيرة من أجهزة مخابرات دول مجاورة وغير مجاورة، أصبح أيضاً مدعاة غيرة داخلية!!
2
حين عمدنا إلى وضع خطة التنمية السياسية عام 2004، عرض عليّ أحدهم ان أحول مشروع الخطة إلى «شركة متخصصة !!» مقابل 70 ألف دينار، يضمن هو أن يدفعها الديوان الملكي، وأن تتضمن الخطة ما يرضي كل القوى المحافظة وغيرها.
اشتغلت الخطة مع الصديق مازن الساكت بكلفة: صفر دنانير. ورغم ذلك اتهمني كبار أعداء التقدم والنجاح وخاصة بعض الرسميين، أن الخطة ستسلم البلد للإخوان المسلمين، وأنني ترجمتها عن الإنجليزية، رغم أنها كانت ذات لون ومحتوى وطني بحت.
ركزنا في الخطة على أهمية وضرورة تلازم وتناوب وتكامل الأمن والديمقراطية، فالديمقراطية أمن، وفق الحسابات الوطنية والدولية الصحيحة.
3
كانت أمامنا عقبات جدية تتمثل في شكوك عميقة لدى أجنحة في النظام من جماعة الإخوان المسلمين، وبروز وغلبة تيار الصقور المتشددين في الجماعة، وصلة الجماعة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، والتقية والباطنية ووجود تنظيم سري داخل التنظيم.
يمكن الإشارة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن حركة تحمل ملامح النظام الأردني المتسم بالاعتدال، وسمات المجتمع الأردني المتصف بالوسطية.
فلم يؤخذ على الجماعة أنها نادت بالعنف أو رفعت شعاراته، بل ظلت حركة سلمية إصلاحية.
ومثل غيرها من الحركات والتيارات الجماهيرية، فقد شهدت الجماعة حراكاً وتجاذبات حادة لأسباب مختلفة ذات صلة بضعف منسوب الرأي الآخر وحرية الحركة داخل الجماعة، وبسبب المشاركة أو عدم المشاركة في الانتخابات النيابية، وبسبب التجاذب بين البرنامج الأردني والبرنامج الفلسطيني (حماس).
أشرك الملك الحسين قيادات بارزة من الجماعة في الحكم وزراء وأعياناً: محمد إسحق الفرحان، عبد خلف داودية، عبدالله العكايلة، بسام العموش، عبدالرحيم العكور، إبراهيم زيد الكيلاني، يوسف العظم، وآخرين.
ولأن الماء من شكل الإناء، ولأن النظام الملكي الهاشمي الأردني، ظل نظاماً متزناً بعيداً عن العنف والدم في إدارة الحياة في بلاده، فقد ظل الإخوان المسلمون متناسبين في ردود فعلهم مع طبيعة النظام وخصائصه، فلم يلجؤوا إلى العنف، فالرشد المتبادل أدى إلى التعايش الذي عرفناه في مراحل مختلفة.
4
الحزب الأكبر في مناخ منافسة غير صحي ولا عادل، هو أقرب إلى صيغة الحزب الأوحد، وهو عدو نفسه في كثير من المحطات.
هذا الحزب سيستهدف سواء أكان معارضاً أو موالياً.
وكما استُهدف الإخوان، استُهدف حزب التيار الوطني- عبدالهادي المجالي، صالح ارشيدات، حيا القرالة، منير صوبر، عبدالله الجازي، مفلح الرحيمي، محمد الذويب، وآخرون، عندما أصبح كبيراً، خشية تفرده وفرض إملاءاته.
وقد شكا رجالات السلطة والموالاة في لقائهم مع الملك عبدالله الثاني في منزل المرحوم العين مروان دودين في رمضان- تموز عام 2012 من استهداف حزب التيار الوطني.
وأقتطِف من مقالة الصديق الأستاذ فهد الخيطان يوم 29 تموز 2012 في صحيفة الغد الغراء:
«وقد أشار معالي النائب محمد الذويب في اللقاء، أثناء حديثه عن التجربة الحزبية، بمرارة إلى دور «جهات رسمية» لم يُسمِّها، في «تكسير» كتلة حزب التيار الوطني في البرلمان. وقال للملك إن عدداً من مرشحي التيار، الذين فازوا في الانتخابات، أجبروا على التخلي عن عضويتهم في الكتلة». انتهى التضمين.
5
ظلت اللقاءات المنزلية السياسية، ولا أقول الصالونات السياسية، إحدى أدوات القياس والسبر والاستطلاع الملكي، العفوية غير المتكلفة وغير الرسمية.
وسوف أتناول ثلاثة لقاءات مهمة جدا.
الأول: لقاءات عدة ضمتني وسمير حباشنة مع معالي السيدة ليلى شرف في منزلها، أسفرت عن تكليفنا سمير وأنا بالإعداد للقاء نخبة شبابية موسعة مع الملك.
حددنا الأسماء واتصلنا بهم وعقد اللقاء السياسي اللطيف مع الملك اللطيف مساء يوم لطيف.
حضر الملك الحسين إلى منزل السيدة شرف برفقة الأمير زيد بن شاكر. وبعد السلام على الحضور، وكان عددنا 18 شخصاً، وقف الملك مرسلاً نظره إلى الغرب وكأنه يناجي القدس والضفة الغربية المحتلة.
تحدث الملك عن جدية العمل لتكريس الديمقراطية وتطوير الحياة الحزبية، وتحديث بلادنا، وتطوير مرفق القضاء، والاهتمام بكل ما يعزز الوحدة الوطنية، وعن الثقافة والصحافة والفن والمسرح والأغنية الوطنية، وعن دعم حقوق شعب فلسطين.
وتحدثنا كلنا باختصار عن أبرز الموضوعات والهموم العامة التي تشغلنا.
اللقاء الثاني: عشاء خاص مع الملك الحسين في منزل معالي السيدة ليلى شرف عام 1991.
كنا أربعة: سمير حباشنة، زياد مطارنة، أحمد الهباهبة، وأنا.
لقد أشعرنا الملك أننا في منزلنا.
واللقاء الثالث: سياسي مهم مع الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في منزل معالي العين مروان دودين في رمضان 2012 حضره عدد من الشخصيات السياسية والاقتصادية هم: رجائي الدجاني، رجائي المعشر، جواد العناني، بسام العموش، آمنة الزعبي، محمد الذويب، عقل بلتاجي، حماد المعايطة، باسم فراج، سائد كراجة، محمد علي الجعبري، مصطفى فياض، وصخر دودين.
وحضر برفقة الملك عامر الفايز ومنار الدباس وعماد فاخوري.
وأقتطعُ من مقالة الصديق فهد التي أشرت إليها أعلاه:
«وكان هذا اللقاء الأول في سلسلة لقاءات، تجمع الملك عبدالله بشخصيات من مختلف التلاوين السياسية والاجتماعية وتهدف إلى استجلاء الصورة في مرحلة سياسية دقيقة وحساسة وتعكس حرص الملك على الإحاطة بكل الآراء حيال القضايا والتحديات الماثلة.
ومعلوم أن الملك عادة ما يلجأ إلى قنوات اتصال غير رسمية مع النخب السياسية، قبل الإقدام على مراجعة السياسات وتبني مقاربات جديدة، من شأنها استعادة تماسك الجبهة الداخلية وترميم جسور العلاقة بين الدولة والمجتمع». انتهى التضمين.
لقد انفتح الملكان الهاشميان الحسين وعبدالله على الشعب الأردني ونُخبِه وقياداته وعقدا آلاف اللقاءات السياسية المهمة، المعلنة وغير المعلنة، الموسعة والضيقة، في تقاليد هاشمية عريقة، هدفها إبقاء قنوات الاتصال والانفتاح على أعلى درجاتها.
* مقاطع من كتابي «من الكسارة إلى الوزارة»
الصادر عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع.

مواضيع قد تهمك